جيل 1/7.. جسر التحوّل بين تحديات الماضي وشغف المستقبل – أخبار السعودية

غدًا، في الأول من رجب، لا يمر التاريخ مرورًا عاديًا في الذاكرة السعودية، بل يستعيد لحظة خاصة ارتبطت بجيل كامل؛ جيل تجاوز الأربعين عامًا على الأقل، وحُمِل ميلاده في الهويات والوثائق على هذا اليوم، لا لأنه وُلد فيه فعلًا بالضرورة، بل لأن التوثيق آنذاك كان شحيح الأدوات، صعب المسالك، فاختير منتصف العام حلًّا عمليًا لتثبيت الوجود في سجل الدولة. هكذا وُلد تاريخٌ افتراضي، لكنه جمع آلاف القصص الحقيقية تحت مظلته.
هذا الجيل، جيل السبعينات والثمانينات، لم يكن مجرد رقم في خانة العمر، بل كان شاهدًا حيًا على تحولات كبرى، تنقّل فيها الوطن من بساطة البدايات إلى تعقيد الحداثة، ومن هدوء الإيقاع إلى تسارع الزمن. عاصر زمن التنمية الأولى، حين كانت الخدمات تُبنى لبنة لبنة، وحين كان وصول الكهرباء أو الهاتف حدثًا يُحتفى به. رأى التلفزيون يدخل البيوت كنافذة وحيدة على العالم، بالأبيض والأسود أولًا، ثم بالألوان، حاملًا معه صوت المذيع وهيبة الخبر، وطقس الاجتماع العائلي حول نشرة المساء.
ثم جاء عصر الفضائيات، فانفتح الأفق، وتعدد الصوت، وتكاثرت القنوات، وتغيّر معنى المعرفة والترفيه. لم يكن الانتقال سلسًا، لكنه كان مثيرًا؛ جيل يتعلّم وهو يكبر، ويستوعب التحوّل دون أن يفقد جذوره. وبعدها دخل الإنترنت بخطوات مترددة، عبر أصوات الاتصال المزعجة، وساعات الانتظار، وصفحات تُحمَّل ببطء، ليصنع أول علاقة حقيقية مع العالم الرقمي.
هذا الجيل يعرف معنى المشقة التقنية، لأنه عاشها. يعرف قيمة الهاتف، لأنه انتظر سنوات ليحصل على رقم أرضي. يعرف معنى الخدمة الحكومية، لأنه وقف في طوابير طويلة، وحمل ملفاته من نافذة إلى أخرى، وعاد في الغد لأن التوقيع لم يكتمل. يعرف معنى المعلومة، لأنه بحث عنها في أكوام الكتب، وفتّش في الأرشيف، وسأل المختص، وانتظر الإجابة.
واليوم، وهو ينجز معاملاته من هاتف ذكي يحصل عليه في دقائق، ويصل إلى المعلومة بسؤال واحد، ويفتح أبواب العالم بضغطة إصبع، لا يتعامل مع التقنية بدهشة طفل، بل بوعي خبير. لذته في التقنية مضاعفة؛ لأنه يقارن، ويقدّر، ويدرك حجم القفزة التي حدثت أمام عينيه.
من هنا، تنبع نظرته العميقة إلى المعلم، والطبيب، والباحث، والأكاديمي. هو لا يراهم أدوارًا وظيفية فحسب، بل مسارات كفاح شُقّت في صخر التحديات، وفي زمن لم تكن فيه الأدوات ميسّرة، ولا الفرص مضمونة. يحترم الجهد، لأنه يعرف ثمنه، ويقدّر المعرفة، لأنه عرف مشقتها.
وحين نقارن هذا الجيل بالأجيال اللاحقة، لا نفعل ذلك من باب المفاضلة، بل من باب الفهم. الأجيال الجديدة وُلدت في عالم جاهز، سريع، ذكي، لا يعرف الانتظار، ولا يطيق البطء. هي أجيال مبدعة بطريقتها، جريئة، سريعة التعلّم، لكنها لم تعش المسار الطويل الذي صنع هذه السهولة. أما جيل 1 رجب، فهو جسر التحوّل؛ جيل جمع بين الصبر والسرعة، بين الذاكرة والابتكار، بين الشغف القديم وأدوات المستقبل.
هو جيل لا يحنّ للماضي هروبًا من الحاضر، ولا يندفع إلى المستقبل دون وعي، بل يقف في المنتصف بثقة، يعرف من أين جاء، ويفهم إلى أين يتجه. لذلك، يبقى هذا الجيل أحد أهم رواة الحكاية السعودية؛ حكاية وطن تغيّر، وتطوّر، وكبر، دون أن ينسى جذوره.
للمزيد من المقالات
اضغط هنا

التعليقات